العودة إلى كليات المعلمين

العودة إلى كليات المعلمين

سراج حسين فتحي
الجمعة 25/10/

كنت من الذين تنادوا بفصل كليات المعلمين عن وزارة التربية والتعليم (المعارف سابقًا)، وضمها إلى الجامعات القريبة منها، أو إنشاء جامعة خاصة باعداد المعلمين (تضم ثمانية عشر كلية)، بمعنى أنها ستكون أكبر جامعة في المملكة، وكنت حينها أظنُّ أنَّ هذا الاقتراح سيطلق عنان هذه الكليات نحو الأفضل، وسيُوفِّر لها كثيرًا من حرية العمل والتميّز والجدارة، والقدرة على تخريج نوعيات أفضل من المعلمين، وكانت تلك المطالب بسبب العنت الذي كان يواجهه بعض منسوبيها من قبل مرجعيتهم في بعض الإدارات التعليمية، ولضعف الإمكانات وقتذاك وقلة الفرص، والمركزية التي كانت تهيمن على كل صغيرة وكبيرة (كما كنا نعتقد)، ولكن ما أن تم تحقيق تلك المطالب بصورة أو أخرى، فضمت بعض الكليات إلى الجامعات القريبة منها، وتذويب البعض الآخر، حتى أصبحت تلك الأمنيات كابوسًا ثقيل الظل يجثم على أنفاس عملية إعداد المعلمين، لأن هذه العملية رغم أهميتها البالغة إلا أنها لم تجد ما تحتاج إليه فعلًا من تخطيط علمي وتنفيذ جاد ورؤى تطويرية، بل إنه لم تعد لدينا جهة محددة لإعداد كوادر تدريسية متخصصة لمراحل التعليم العام، وأصبح خريجو الجامعات يتّجهون صوب التدريس دون أي تأهيل، أو تأهيل متدنِ، مما أوجد فئة من المعلمين (معلمي ضرورة) ليس لديهم أدوات تربوية (مما كان متوفرًا في كليات المعلمين)، ناهيك عن افتقارهم للإعداد العلمي المتخصص فعلًا، فأكثرهم طلاب شهادات من أجل الوظيفة، أيًا كانت ولو مجرد مراقب!!
حديثي عن هذه القضية نابع من معايشة لأكثر من ربع قرن من العمل في معاهد المعلمين، ثم في الكليات المتوسطة، وأخيرًا كليات المعلمين، ولذلك فحديثي ليس مجرد حروف لملء الفراغ وحشو السطور، بل هي قضية نعيشها اليوم في كثير من المدارس الحكومية والأهلية على السواء، ولأن طبيعة عملي اليوم تضعني أمام الحقائق التي تعيشها عملية إعداد المعلمين، فيأتيني العشرات من خريجي الجامعات والكليات المختلفة لتتم لهم إجراء المقابلات الشخصية ومراجعة أوراقهم الجامعية، فتظهر الحقائق من تدني المستوى التحصيلي رغم حصول بعضهم على تقديرات عالية، وتتكشف علاقاتهم المقطوعة مع العلم والتخصص الذي قضوا فيه سنوات، مع فقدانهم التأهيل التربوي، رغم حصول بعضهم على دبلوم تربوي، ناهيك عن ضعف الرغبة في تطوير الذات وتحسين المستوى التعليمي واكتساب الخبرات والمهارات التي يحتاجها معظمهم.
مما كان يميز نظام القبول في كليات المعلمين محدودية القبول، لارتباطه باحتياج المنطقة في كل تخصص، وقد كانت بعض الأقسام (التخصصات) تُجمَّد لسنوات لعدم الحاجة، فكان القبول محصورًا في بعض الأقسام دون غيرها، كما أن قبول الطالب يعني تأكده من الوظيفة، فهي محجوزة له، وهذا ما جعل خريج الكلية مطمئن النفس (الأمن الوظيفي) إلى جانب كثير من المميزات الدراسية والإعداد العام والإعداد التربوي المكثف (60%)، صحيح أنه كانت توجد بعض السلبيات، لكنها لا تُقارن بالسلبيات الحالية التي باتت تُؤثِّر في صورة عملية التعليم، ومن لا يُصدِّق فليسأل مديري المدارس في كل المراحل!!


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.