أناسٌ ليسوا كالنَّاس..
قاموا ببناء الجدار العازل بين ظروفهم وابتلاءاتهم، وبين إنجازاتهم وأهدافهم..
فسارت مراكبهم في وسط البحور العالية، وغرست بذورهم في وسط الأراضي المترامية، وبنيت إنجازاتهم في وسط البحور الابتلاءات القاسية.
قاموا بالمهمَّة ولو رآها النَّاس مستحيلةً، وصبروا على الألم بأوقاته الطَّويلة، ولكنَّهم فصلوا بين الألم وبين العمل.
نعم.. بهم تبنى الأمم، هم من المؤمنين، صبغوا بصبغة الإيمان الفريدة، فظهرت في لون عرق الجبين لتسقي به نبتة الاستمرار.
وعرفوا برجولتهم،، رجولة كالجسور بين البلدان تنقل النَّاس من البرِّ إلى البحر، ومن اللا عمل إلى هدفية الأمَّة، ومن ظلمات البطالة إلى أنوار الانشغال، وهم من أهل الصِّدق.. فالكذب ليس من شيمهم، ويعلمون أنَّ به نجاتهم -حتَّى لو ضاعت حياتهم-؛ فنبض الصِّدق إذا وقف ماتت رغمًا عنهم حياتهم.
أصحاب عهدٍ يوفون.. يبنون.. يستمرون، -وآهـٍ لألم التَّبديل- ولا يبدِّلون.
ينتظرون ولا ييأسون..
فبوصلتهم داخليَّة لا تتأثر ببطء حركة السَّاعة الخارجيَّة، طالما وجهتهم صحيحة.
والأهمّ: وما بدَّلوا تبديلًا، كالمنار تتحرك السّفن حوله وهو شامخٌ، كنبتةٍ صغيرةٍ تكبر في وسط الصَّحراء..
{مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].
رؤيتهم.. يقظة للقلوب..
لمساتهم .. بصماتٌ على الصُّدور تنبت تحتها بذور الهمم..
كلامهم.. أصواتُ رعدٍ توقظ كلّ سحابةٍ خاملةٍ ساكنةٍ في سماء أمَّةٍ في آخر قاطرة في قطار الحضارات.. فتخرج مطرها مدرارًا وهي راضيةٌ..
أنفاسهم في الأمَّة.. أنَّهار ورد دافئ تحتضن كلّ من يضع كفه ليتذوَّق..
فراقهم.. أوراقُ شجر خريف تتساقط..
البعد عنهم للحظات.. تجربةٌ خياليَّةٌ لتذوق طعم الموت..
صحبتهم.. احتضان ولكن من الدَّاخل!
الدُّخول إلى عالمهم.. نعم عسير لأنَّ الخروج منه… مستحيل!!
يهربون من أضواء الشُّهرة عند القصور؛ لينعموا بذل الخدمة عند أبواب الملك.
قلت لك! قد قاموا بالمهمَّة في وسط ظروف التَّبديل.. بل عواصف التَّبديل!
{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22].
مهمَّتي.. جنَّتي
مهمٌّ.. أن أهتم
وأقوم بمهمتي.. حتَّى في بحار الهمِّ
أين أنتم ؟
أبحث عنكم!! في قارَّات يومي.. أبحر بسفينة ذكرياتي.
أتلمسكم في كل موجة لأسألكم:
لمَّا رمت بكم الملمات ظننت أنَّكم تتحطمون على صخور الوقت في وسط الظَّلام.. ولكن لمَّا قمت من ليلي،،
نظرت إليكم في السَّماء فوجدت:
أنَّكم لمَّا ارتميتم لم تتحطموا.. نعم لم تتحطموا!
ولكنَّكم.. تعلَّمتم الطَّيران..
أسألكم:
لماذا حلقتم هناك؟ إلى كوكب الثَّبات؟
هل اتخذتم النُّجوم درجات سلم؟؟
هل اتخذتم السُّحب مراكب هوائيَّة؟؟
أسئلتي كثيرةٌ…
ولكنَّني أتقنت لغة السُّؤال؛ لأنعم بلذة الإبحار في شهد حياتكم!!
آهٍ ثمَّ آه..
ما هو سرُّ ثباتكم؟!
لعلَّها
روعة تنهيدة صمت..
غرست في تربة استعانة..
بعد لمحة تركيز..
أثناء مهمة تنجز..
{وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}
لن نخرق السَّفينة..
وسنغرس الفسيلة..
شهدتُ بأنَّ الله لا ربَّ غيرهُ وَأشْهَدُ أنَّ البَعْثَ حَقٌّ وَأخْلَصُ
وأنَّ عرى الإيمان قولٌ مبينٌ وفعلٌ زكيِّ قد يزيدُ وينقص
وَأنَّ أبَا بَكْرٍ خَلِيفَة ُ رَبِّهِ وكان أبو حفصٍ على الخير يحرصُ
وَأُشْهِدُ رَبِّي أنَّ عُثْمانَ فَاضِلٌ وأنَّ عليا فضيلهُ متخصِّصُ
اتمهُ قومٍ يهتدى بهداهمُ لَحَى اللَّهُ مَنْ إيَّاهُمُ يَتَنَقَّصُِ