النحت اصطلاحا: اقتطاع كلمة من كلمات أو من عبارة
النحت من كلمات مثل أخذ عبشمي من (عبد شمس)، ونحت كلمة من عبارة مثل أخذ جعلف من (جعلت فداك).
اختلاف مفاهيم النحت
هناك مفاهيم متعددة للنحت لأن بعض علماء اللغة يرون في بعض الكلمات نحتا وبعضهم لا يرى ذلك.
المفهوم التقليدي للنحت، وهو مفهوم شائع عند جمهور اللغويين الذين يقرون جميعا بأن هذه الكلمات منحوتة من عبارات، وقد ذكر ذلك الخليل وسيبويه واللغويون من بعدهم، ومن هذه الكلمات:
بسمل < بسم الله
حوقل < لا حول ولا قوة إلا بالله
طلبق < أطال الله بقاءك
جعلف جعفل < جُعلت فداك
حمدل < الحمد لله
عبشمي < عبد شمس
عبدري < عبد الدار
مفاهيم غير تقليدية للنحت
(1) مفهوم ابن فارس: مع اعتراف ابن فارس بوجود النحت في الكلمات السابقة إلا أنه زاد على ذلك ألفاظا لم يعدها العلماء من قبله من النحت. قال في الصاحبي: "مذهبنا فِي أنّ الأشياء الزائدة عَلَى ثلاثة أحرف أكثرها منحوت، مثل قول العرب للرجل الشديد "ضِبَطْرٌ" [ضبط وضبر] وَفِي "الصِّلِّدْم" إنه من "الصَّلد" و "الصَّدْم". وقد عدّ في المقاييس من هذا الصنف كلمات كثيرة، منها:
صهصلق "المرأة الصخابة" < صهل+صلق
ضِبطر " الرجل القوي" < ضبط+ضبر
جلمود "الصخرة الصلبة" < جلد+جمد
صِلْدم " الحافر الصلب" < صلد+صدم
والذين يعارضون ابن فارس في رأيه يقولون: إن هذه الأمثلة ليست من باب النحت وإنما نتجت عن زيادة حرف على الثلاثي، فضبطر في الواقع هي ضبط زيد في آخرها الراء، وجلمود زيد فيها بعد اللام الميم.
(2) مفهوم جورجي زيدان: جاء جورجي زيدان بمفهوم جديد للنحت ليبيّن كيفية تطور الكلمات الثلاثية من الثنائية، فادعى أن قطف منحوتة من الكلمتين الثنائيتين: قط+لف ، وأن قمش منحونة من الكلمتين الثنائيتين: قم+قش. والكلمات التي لم يستطع بيان النحت فيها قال: إنها نشأت بزيادة حرف اعتباطا، مثل: (سـ)ـكن، (لـ)ـهب، قـ(ر)ص، قطـ(ع).
(3) مفهوم مرمرجي الدومنكي: في سبيل محاولته لتفسير ظاهرة الأضداد في العربية في ضوء نظريته الثنائية قال إن الضد نشأ من نحت كلمتين ثنائيتين تفيدان معنيين متضادين لينشأ من ذلك كلمة واحدة تفيد معنيين متضادين، ومن الأمثلة التي ذكرها في هذا السياق:
سبد "أطال شعره"، و "حلق شعره" يزعم أن سبد منحوتة من سب "قطع" ومن سدى "طال".
سجد: تعني "انحنى ووضع جبهته على الأرض" وقال بعض اللغويين إنها تعني أيضا "انتصب" ويزعم الدومنكي أنها منحوتة من سج "رمى وألقى" ومن سد "علا."
(4) مفهوم بعض علماء الساميات: بعض هؤلاء يفترض أن بعض صيغ التصريفات في اللغات الساميات وصلت إلى صورتها الحاضرة عن طريق النحت:
إما من الفعل والضمائر في نحو:
أكتُب < أنا+كتَب
نكتُب < نحن+كتَب
تكتُب < أنت+كتَب
أو من كلمات وأدوات، في نحو:
ليس < لا+أيس "لا أكون"
ليت < لا+أيت
عند < عن+يد "قريب من يديه"
لكن < لا + كان
أنواع النحت
ميز عبد القادر المغربي من النحت الأنواع التالية:
النحت الفعلي، وهو أن تنحت من الجملة فعلا يعبر عن مضمونها، مثل:
جعفل "جعلت فداك"
طلبق "أطال الله بقاءك"
بسمل "بسم الله"
حوقل "لا حول ولا قوة إلا يالله"
حيعل "حيّ على الصلاة"
حمدل "الحمد لله"
حسبل "حسبي الله"
النحت النسبي، وهو أن تنحت من اسمين صيغة نسب، مثل:
شفعنفي "شافعي حنفي"
عبشمي "عبد شمس"
عبدري "عبد الدار"
عبدلي "عبدالله"
درعمي "دار العلوم"
بلعنبر "بنو العنبر"
عبقسي "عبد القيس"
النحت الاسمي، وهو أن تنحت من كلمتين اسما واحدا، مثل:
جلمود "صخرة" من جلد+جمد
حبْقُر "البَرَد" من حب+قُر "الحب البارد"
شَقَحْطب "كبش ذو قرنين" من شق+حطب
النحت الوصفي، وهو أن تنحت من كلمتين كلمة واحدة تدل على صفة مثل:
ضِبَطْر "القوي" ضبط+ضبر
صَهْصَلِق "المرأة الصخابة" < صهل+صلق
بُحْتُر "القصير" < بتر+حتر
جَلْعد "الصلب الشديد" < جلد+جعد
موقف العلماء من النحت
اختلف المحدثون حول توسيع دائرة النحت للتغلب على ترجمة الاصطلاحات والكلمات التي تتطلبها المجالات العلمية والمستجدات في الحقول الاقتصادية والصناعية والاجتماعية، ويمكن أن نصنف العلماء بحسب موقفهم من توسيع دائرة النحت إلى ما يلي:
(أ) الرافضون: هؤلاء يرون أن النحت ظاهرة قائمة على ما سمع عن العرب، ويرفضون جعله قياسيا لأنه لا يناسب جرس العربية وقوالبها، ومن هؤلاء:
إنستاس الكرملي، الذي يقول إن العربية لغة اشتقاقية قادرة على تلبية كل المتطلبات اللغوية من الأسماء والاصطلاحات، لذا لا نجد علماء العصر العباسي وما بعده يعتمدون عليه في اصطلاحاتهم، ولكن العرب لا تنحت إلا الألفاظ التي يتكرر ورودها على ألسنتهم.
مصطفى جواد، وكان من أشد الرافضين لاعتبار النحت ظاهرة قياسية. والنحت في رأيه من خصائص اللغات الهندية الأوروبية وليس من سمات العربية، وتوسيع ابن لفارس لدائرته كان بسبب تأثير أصله الفارسي.
(ب) المتحمسون يرون أن هناك حاجة ملحةلنقل المصطلحات العلمية من اللغات الأوروبية التي تمتلك الآن زمام العلوم والمخترعات، ويرون أن كثيرا من هذه المصطلحات موجودة على شكل منحوتات في لغاتها، ومهما توسعنا في الاشتقاق لن نستطيع سد النقص في هذا المجال. ومن الذين تحمسوا إلى استغلال ظاهرة النحت وطالب بتوسيعه والاعتراف بقياسيته:
ساطع الحصري الذي يقول إن العلماء يعتقدون أن النحت أسهم إسهاما عظيما في تكوين اللغة وهو مصدر معظم الأفعال الرباعية والخماسية.، والاشتقاق وحده غير قادر على تلبية حاجاتنا إلى المصطلحات لأنه محدود بأوزان وقوالب معينة.
إسماعيل مظهر الذي يقول إن كل اللغات الحية تدل على أنها لغات اشتقاقية في الأصل وقد لجأ أهلها إلى النحت ليتمكنوا من تسمية أشياء كثيرة، والعربية لا تختلف عن ذلك.
(جـ) المعتدلون: يرون أن العربية لغة غنية بما يقدمه الاشتقاق لها من إمكانيات تتواءم مع طبيعتها وجرسها وقوالبها، ولكن قد يكون هناك اصطلاحات علمية يصعب وجود مقابل لها يؤدي معناها العلمي الدقيق، لذا يمكن في هذه الحالة الاستعانة بالنحت في أضيق نطاق مع توفر الشروط التالية:
1- ألا يكون اللفظ المنحوت نابي الجرس عن سليقة العرب.
2- أن يكون على وزن من الأوزان العربية.
3- أن يؤدي حاجة اللغة من إفراد وتثنية ونسب.
ويمكن عد مجمع اللغة العربية من هذه الفئة لأن قراره الذي صدر في هذا الشأن يشير إلى أنه يجوز أن ينحت من كلمتين أو أكثر اسم أو فعل عند الحاجة، على أن يراعى ما أمكن استخدام الأصلي من الحروف دون الزوائد وأن يكون المنحوت موافقا للأوزان العربية.
منقول