عاد محمدٌ من عمله الشاق إلى منزله وقبل أن يلقي بجسده المنهك على السرير كي يأخذ حصته من القيلولة طلب من زوجته سارة أن تحضر له الجريدة وبعد أن تصفحها سريعاً قال: ماذا يريد هؤلاء المعلمين ؟ الأخبار تتحدّث عنهم والصحف كذلك ، وأصبحوا حديث المجالس !
أيريدون زيادة رواتبهم ؟ ماهذا الطمع والجشع ؟ ألم يكتفوا بتلك التحسينات والزيادات التي يحصلون عليها بشكل دوري؟!
قاطعته سارة قائلةً : ومن قال لك أنهم يحصلون على ترقيات أو زيادة في الرواتب ؟!
فقال: هكذا فهمنا من المسئولين ، وهكذا تعلمنا من الصحف ؟!
قالت: بربك يا محمد هل تقبل وأنت في عملك الشاق أن يأتي ومن يقتص من راتبك بغير وجه حق ؟!
فقال: لا والله، فلولا أنَّ عملي أعطاني حقوقي المادية كاملةً والمعنوية كذلك لما تحمّلت هذه الوظيفة!
فقالت: تخيّل هذا المعلم المسكين الذي يخرج في الصباح ويلتقي بمجموعة كبيرة من الاطفال على اختلاف مشاربهم وطبائعهم فيداري هذا وذاك ويربي هذا وذاك.
وفي هذه الأثناء صرخ محمدٌ يا سارة ماهذه الأصوات المزعجة ؟!
فقالت: إنها أصواتُ خالد ومشاري حيث يتشاجرا كالعادة ، فقال: يا سارة لم أعد أحتمل أصواتهم وصرخاتهم.
فقالت: كيف بالمعلم والمعلمة حينما يلتقون بأعدادٍ كبيرة من الأطفال والمراهقين والمراهقات ويصبرون على صرخاتهم ومشاكلهم التي لا تنتهي !
فقال: الحمد لله أني لم أكن معلماً ، ولو منحوني مرتب وزير فلن أقبل بتلك المهنة الشاقة.
سارة توقفت برهة ثم قالت: تخيّل يا محمد التحضير والواجبات والإشراف وحصص الانتظار والنصاب الذي لا يقل عن أربعةٍ
وعشرين حصة في الأسبوع ، انظر إلى نفسك لم تتحمّل أبنائك دقيقة واحدة وهؤلاء يتحمّلون مئات الأطفال لساعات
طويلة إضافةً لصبرهم على مسؤوليهم ووزارتهم التي جعلت من المعلمين أعداءًا دون أيًَ سبب يذكر ؟!
قال محمدٌ : يا سارة من أين لك هذه المعلومات وأنتي لستِ معلمةً ؟!
فابتسمت وقالت: أنسيت يا محمد أختي أسماء التي تقطع آلاف الأميال للذهاب لتلك القرية التي تدرس فيها كل يوم وتعاني من مخاطر الطريق ، لقد أخبرتني أسماء عن معاناتها هي ومثيلاتها.
فقال محمد: والله يا سارة من الآن وصاعداً سنكون مع المعلمين والمعلمات لأنهم مشعل الخير والعلم ، ولولا الله ثم وجودهم لتجرّع أبناؤنا مرارة الجهل وانعدام التربية، فلله درّهم وحسبنا على وزارتهم التي ظلمتهم!
فقاطعته سارة: لم أرَ في حياتي تكاتف هؤلاء المعلمين والمعلمات واجتماعهم مثل هذا الوقت ، فانتفاضتهم تذكرنا بانتفاضة فلسطين وسنرى في مقبلات الأيام كيف سيحصلون على حقوقهم كاملةً بحول الله وتعالى.
ابتسم محمدٌ وقال: إذا استمروا بهذا الاجتماع وبهذه الوحدة ستعود لهم حقوقهم قريباً وستسقط كراسي مسئولي
وزارتهم فليستمروا على هذا الحماس والاتحاد.
وختم حديثه ضاحكاً لقد انتهى وقت القيلولة يا سارة فدعيني أحصل على غفوةٍ قصيرة ، ولندعوا الله لهم بالفرج القريب.
مصافحة أولى من مجرم حرب
حرّرت يوم الجمعة الساعة الثانية والأربعون دقيقة