ولانكم مبدعون اهديكم هذا الموضوع …
القيادات في الدنيا ثلاث، قيادة مبدعة، وقيادة ملهمة، وقيادة ذكية، ولا يوجد قيادات دون ذلك، لأنها حينئذ لا تكون قيادة
أما القيادة الذكية فهي بمقام الرجل الذكي، لديها احساس واع ، وثرة فكرية كافية، واستعمال لهذه الثروة في أوانه بحيث يجعلها تواكب الأحداث، وتسير مع الحوادث وفي مستواها، ولا تسمح لنفسها التأخر عنها. ومثل هذه تكون مجلية في الأيام العادية، ولكن اذا ادلهمت عليها الخطوب تصبح في حاجة إلى بذل جهود غير عادية حتى تحتفظ بزمام الأمور وتسير في قيادة الركب، وتحافظ على المستوى القيادي كما هو من غير أدنى خدش.
وأما القيادة الملهمة فهي بمقام النابغة، إذ هو الأول في كل شيء، يأبى أن يكون في مستوى الناس، بل يحرص على أن يظل أولهم وفي مقدمتهم . وهذه القيادة الملهمة طراز نادر تأبى إلا أن تكون الأولى في كل شيء في الفهم والادراك والاتقان والجدية واجتياز العقبات والاضطلاع بالمهمات والقيام بالأعمال وغير ذلك مما هو موجود في حياتها القيادية. ثم فوق ذلك تملك القدرة على رفع الهابطين، وبعث الحركة في الخاملين، وتقريب البعيد لقصيري النظر، وتوضيح الرؤية لمن على أبصارهم غشاوة، وعلاج المرضى المتعبين، وابعاد الأموات من بين الأحياء. وهي إلى جانب ذلك تملأ قلوب الناس عاطفة، وعقولهم حيوية وتفكيرا، ونفوسهم ثقة ورضى ، وهي في شدة الأزمات وفي الأحوال العادية سواء تسير في قيادتها دون أن تشعر بالحاجة إلى بذل جهد غير عادي، أو بأن الحمل قد ثقل عليها، لأن الشدائد هي التي تشعرها بلذة القيادة، وتجعلها تحس بحلاوة أعبائها .
وأما القيادة المبدعة فهي بمقام الرجل العبقري طراز فريد، والعبقري لا يرضى أن يكون أحسن الناس وفي مقدمتهم فحسب بل يأتي بأشياء جديدة لا يعرفها الناس فيحملهم أن يسيروا عليها ، فهو لا يتقن ما هم عليه ليكون أحسنهم فيه وإنما يغير ما هم عليه ويفتح لهم طريقا جديدا ، ويدفعهم دفعا لأن يسيروا فيه ، ولو كان في ذلك المشقة والنصب ، والبذل والتضحية. وكذلك القيادة المبدعة لا ترضى باتجاهات الرأي العام ، ولا بما عليه أفراد الناس، فلا تفكر بأخذ قيادتهم ، وإنما ترفع من مستوى الناس، وتنظر ما وراء الجدار فتشرف على المجتمع، وتبصر ما حال الجدار دون رؤيته، ثم تعمل لقلب ما عليه الناس، وتغيير اتجاهات الرأي العام، وبعد ذلك تحاول أخذ قيادتهم ، حتى إذا استرخصوا دماءهم وأموالهم في سبيل الفكرة التي حملوها فضلا عن تحمل المشقة والعناء، حينئذ تولت قيادتهم على أساس بذل المهج والأرواح والأموال عن رضى واطمئنان
هذه هي القيادة المبدعة ، فهي لا تقود الناس بفكرهم ، وإنما تحملهم على تغيير أفكارهم ولا تسير بهم في الطريق الذي يسلكونه بل تجعلهم يسيرون في الطريق الأشق والدرب الأصعب . وفوق ذلك فإنها تجعل ثمن سيرهم في هذا الطريق المشقة والعناء، وبذل المهج والأرواح والسخاء بكل نفيس من الأموال ، ثم إنها لا تكتفي بالسير في الأزمات كالسير في الرخاء، دون فرق بينهما، وإنما توجد المشاكل وتفتعل الأزمات، وتشعل الحرائق حتى تظل تسير في الصعاب، لأن جل حياتها جهاد في جهاد، لأنها تعتقد أن الحياة الحقة إنما هي حياة الجهاد .هذا مع شكري لكل من منح جزءا من وقته هدية لكل المبدعين…
منقول